السرنمة في منتصف النهار

 

 

عائض الأحمد

عليك بنفسك، ثم عليك بها، ثم ابدأ أوّلًا بها. وإن أردت أن تُقدِّم نصحًا أو إرشادًا، أو هيّأ لك أنك تفعل، فذاك عظيمٌ منك؛ يكفي أن يُقال عنك: كان أكثر الناس خصمًا لنفسه.

لكنّ "السرنمة" تلك التي تداهم البعض وهم في تمام يقظتهم تأبى إلا أن تُغشي البصائر، فيظنّ صاحبها أنه يُنجز أعمالًا جليلة، ويُحدث أثرًا خالدًا، وهو في الحقيقة يخطو نحو الهاوية بخطواتٍ واثقةٍ هادئة، كمن يسير نائمًا في وضح النهار.

ثم لا يصحو إلا وقد انزاحت الغشاوة، ليجد قدميه على الحافة، يتأمل عمق السقوط، ولا يدري أيَّ مصيرٍ ينتظره.

يتزايد عدد "المتسرنمين" باطراد؛ ظاهرهم علمٌ نافع، وباطنهم خَوَاءٌ مزدهرٌ في أفكارهم، يصحبه تشبّثٌ وصداعٌ، وشهيّةٌ مفرطةٌ في تقويم المجتمع وحصر أمراضه، والجزم بأن معاناة أفراده تكمن في البعد عن نظريات “هلع الاضطرابات السلوكية المنبثقة من إدراك اللاوعي”.

ويُمعنون في تفسير كلّ شيءٍ بنظرياتهم المهووسة باللاوعي، وتظهر آثار هذه الحالة في نوباتٍ تتفاوت شدّتها بين المتوسطة والأكثر اعتدالًا، حينما يُناقَش أحدهم علنًا في حالة استرخاءٍ لا يشعر فيها بما حوله، لعلّه يستوعب هذا الكمّ المُرهِق من الأفكار، حتى لا تُرفض درجات فضيلته بما فيها من مخالفات، فيستعصي عليه الحلّ.

لها: ما أكثر من يسيرون في وضح النهار وهم نائمون؛ يظنون أنهم يوقظون الآخرين، وما علموا أنهم أولى الناس باليقظة.

شيء من ذاته: لم تعد تسمعك؛ متوثبةً لما تحمله من أوهامٍ مسبقة، فدعها تحكم بما تشاء، فلن تقنعها.

نقد: يضحك منك من يظن أنه يوقظك، وما علم أنك كنت تصحو قبل أن يغمرك نومه.

الأكثر قراءة